روى الشيخ ابن قولويه (ره ) بسند عن الا مام الباقر(ع )قال : (كتب الحسين بن عليّ(ع ) إ لى محمّد بن عليّ من كربلاء:
بسم اللّه الرحمن الرحيم .
من الحسين بن عليّ إ لى محمّد بن عليّ ومن قِبَلهُ من بني هاشم :

امّا بعدُ، فكأنّ الدنيا لم تكن ! وكأنّ الا خرة لم تزل ! والسلام .)
هذه الرسالة التي كتبها الا مام الحسين (ع ) من كربلاء الى اءخيه محمّد بن الحنفيّة (رض )، وهي آخر ما كتبه الا مام (ع ) من الرسائل ، ولعلّها أقصر رسائله (ع ) متناً، مثيرة للعجب وداعية إ للتأمل !
ما هو المعنى الذي أراد الا مام الشهيد الفاتح (ع ) أن يوصله خلال هذه الرسالة من أرض المصرع المختار الى أخيه محمّد بن الحنفيّة (رض ) وإلى بني هاشم ، وإلى الاجيال كافّة ؟
ولعل مراد الامام (ع ) في قوله : (فكأن الدنيا لم تكن ،وكأنّ الا خرة لم تزل ) نفس المعنى الذي أراده (ع ) في قوله لانصاره ليلة عاشوراء: (واعلموا أنّ الدنيا حلُوها ومُرّها حُلُم ! والانتباه في الاخرة ، والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقي فيها!..)، ذلك لانّ الانسان ابن الايّام الثلاثة : يوم ولدته أمّه ، ويوم يخرج من هذه الدنيا، ويوم يقوم للحساب ! وهذه الا يّام الثلاثة الكبرى هي التي ورد السلام فيها من اللّه تبارك وتعالى على يحيى (ع )، في قوله تعالى : (وسلام عليه يوم ولد،ويوم يموت ، ويوم يُبعث حيّا)، وفي قوله تعالى عن لسان عيسى (ع ): (والسلام عليَّ يوم ولدت ، ويوم أموت ، ويوم أُبعث حيّا).
وإ ذا تأمّل كلّ إ نسان في الماضي من عمره طويلاً كان أم قصيراً، فكأنّما يتأمّل في رؤيا منام رآها البارحة ! والاتي من العمر بعد مروره كما الماضيّ، حلمٌ أيضاً!
فالدنيا وهي عمر الانسان بكلّ تفصيلاته الحلوة والمرّة حلُمٌ في الختام ! فكأنّ الدنيا لم تكن !
فالعاقل السعيد من أخذ من هذه الدنيا كما يأخذ المارّ من ممّره لمقرّه ،والعاقل السعيد من لم يتعلّق قلبه بهذه الدار الزائلة ، ولم يقع في شباكها، وكان من المخفّين فيها، ليكون فراقها عليه سهلاً يسيراً هيّناً، فعن الامام الصادق (ع ): (من كثر إ شتباكه بالدنيا كان اءشدَّ لحسرته عند فراقها).
وإ ذا كانت هذه هي حقيقة الدنيا! وكان لابدّ من فراقها، فليكن الختام اءفضل الختام ! ولتكن النهاية أشرف نهاية ،وأفضل الموت القتل في سبيل اللّه ! فليكن الختام إذن قتلاً في سبيل اللّه ! وهذا هو البِرُّ الذي ليس فوقه بِرُّ! وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ! ولهذا فليعمل العاملون !
وأقوى الظنّ أنّ هذا المعنى الذي أراد أن يوصله الامام (ع ) في رسالته هذه التي كتبها من كربلاء أرض المصرع المختار وبقعة الفتح إ لى محمد بن الحنفية وبقية بني هاشم في المدينة المنوّرة وإلى كافّة الا جيال إلى قيام الساعة متمّم ومكمّل لمعنى رسالته القصيرة الاولى التي بعثها(ع ) إ ليهم من مكّة المكرّمة والتي جاء فيها: (بسم اللّه الرحمن الرحيم . من الحسين عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قِبَله من بني هاشم : اءمّا بعدُ، فإن ّمن لحق بي استُشهد! ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح ! والسلام.)