دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الأبواب ، وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة (1) ، فأقبلت على خادم كان يعمل معنا ، فقلت : ما لي أرى الكوفة تضج ؟
قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية.
فقلت : من هذا الخارجي ؟
قال : الحسين بن علي !
فتركت الخادم حتى خرج ، ولطمت على وجهي ، حتى خشيت على عيني أن تذهبا ، وغسلت يدي من الجص ، وخرجت من ظهر القصر ، وأتيت إلى الكناس (2) فبينا أنا واقف ، والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة ، تحمل على أربعين جملاً (3) ، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة.
وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء (4) ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :
يا أمة السوء لا سقياً لربعكم يـا أمة لـم تراع جدنـا فينا
إلى آخر الأبيات.
وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم :
يا أهل الكوفة ! إن الصدقة علينا حرام !
وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم ، وترمي به إلى الأرض.
كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم !!
ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت :
« صه يا أهل الكوفة ! تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله ، يوم فصل القضاء ».
فبينما هي تخاطبهن ، وإذا بضجة قد ارتفعت ، وإذا هم قد أتوا بالرؤوس ، يقدمهم رأس الحسين ( عليه السلام ) وهو رأس زهري ، قمري (5) ، أشبه الخلق برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولحيته كسواد السبج (6) ـ قد انتصل منها الخضاب (7) ، ووجهه دارة قمر طالع (8) ـ والريح تلعب بها يميناً وشمالاً ، فالتفتت زينب ، فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومأت إليه بخرقة ، وجعلت تقول :
يـا هـلالاً لمـا استتـم كمالاً غالـه خسفه فأبـدى غروبا
ما توهمت يـا شقيق فـؤادي كـان هذا مقـدراً مكتوبـاً
يا أخي ! فاطم الصغيرة كلمها فقـد كـاد قلبهـا أن يذوبا
إلى آخر الأبيات (9).
وجاء في التاريخ : أن قافلة آل الرسول لما اقتربت من الكوفة ، إجتمع أهلها للنظر إليهن ، فأشرفت إمرأة من الكوفيات ـ من سطح دارها ـ وقالت : من أي الأسارى أنتن ؟
قلن : نحن أسارى آل محمد !
فنزلت من سطحها وجمعت ملاءاً وأزراً ومقانع ، فاعطتهن فتغطين. (10)
________________________________________
1 ـ الزعقات ـ جمع زعقة ـ : الصيحة. الزعق : الصباح ، كما في كتاب « لسان العرب » لابن منظور ، و « الصحاح » للجوهري.
2 ـ الكناس والكناسة : محلة بالكوفة. كما في « معجم البلدان » للحموي.
3 ـ شقة : المحمل والهودج.
4 ـ وطاء : القماش وشبهه الذي يوضع على ظهر الجمل ، لراحة الراكب.
5 ـ زهري : أي مشرق اللون .. رغم إنفصاله عن الجسد. وزهري : تشبيه بنجم « الزهرة » المشهورة بالإشراقة والإضاءة المميزة في نورها. والتي هي عبارة عن اللون الأبيض المشرق المزيج مع لون الورد المحمدي ، أي : اللون الأحمر الفاتح. قمري : أي : أن وجهه مستدير الشكل .. وليس مستطيلاً. المحقق
6 ـ السبج : معرب شبه ـ : وهو حجر أسود ، يضرب به المثل في شدة السواد.
7 ـ إنتصل منها الخضاب : أي بدأ اللون الأسود يذهب من أصول الشعر.
8 ـ دارة قمر طالع : أي مستدير وجميل ، كالقمر ليلة البدر ، حيث يكون متكامل القرص وشديد الإنارة. المحقق
9 ـ كتاب « المنتخب » للطريحي ، ج 2 ، ص 464 ، المجلس العاشر. وبحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 45 ، ص 114 ـ 115.
10 ـ كتاب ( بحار الأنوار ) ج 45 ، ص 108 ، نقلاً عن السيد ابن طاووس
مسيرةالامام الحسين عليه السلام الى العراق.
وذكر الطريحي في كتاب (المنتخب) عن مسلم الجصاص قال :
دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الأبواب ، وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة (1) ، فأقبلت على خادم كان يعمل معنا ، فقلت : ما لي أرى الكوفة تضج ؟
قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية .
فقلت : من هذا الخارجي ؟
قال : الحسين بن علي !
فتركت الخادم حتى خرج ، ولطمت على وجهي ، حتى
(1) الزعقات ـ جمع زعقة ـ : الصيحة . الزعق : الصباح ، كما في كتاب «لسان العرب» لابن منظور ، و«الصحاح» للجوهري .زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد274
خشيت على عيني أن تذهبا ، وغسلت يدي من الجص ، وخرجت من ظهر القصر ، وأتيت إلى الكناس (1) فبينا أنا واقف ، والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة ، تحمل على أربعين جملاً (2) ، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة .
وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء (3) ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :يا أمة السوء لا سقياً لربعكميـا أمة لـم تراع جدنـا فينا
إلى آخر الأبيات .
وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم :
يا أهل الكوفة ! إن الصدقة علينا حرام !
وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم ، وترمي به إلى الأرض .
(1) الكناس والكناسة : محلة بالكوفة . كما في «معجم البلدان» للحموي .
(2) شقة : المحمل والهودج .
(3) وطاء : القماش وشبهه الذي يوضع على ظهر الجمل ، لراحة الراكب .زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد275
كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم ! !
ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت :
«صه يا أهل الكوفة ! تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله ، يوم فصل القضاء» .
فبينما هي تخاطبهن ، وإذا بضجة قد ارتفعت ، وإذا هم قد أتوا بالرؤوس ، يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهري ، قمري(1) ، أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولحيته كسواد السبج (2) ـ قد انتصل منها الخضاب (3) ، ووجهه دارة قمر طالع (4) ـ والريح تلعب بها
(1) زهري : أي مشرق اللون . . رغم إنفصاله عن الجسد . وزهري : تشبيه بنجم «الزهرة» المشهورة بالإشراقة والإضاءة المميزة في نورها . والتي هي عبارة عن اللون الأبيض المشرق المزيج مع لون الورد المحمدي ، أي : اللون الأحمر الفاتح . قمري : أي : أن وجهه مستدير الشكل . . وليس مستطيلاً .
المحقق
(2) السبج : معرب شبه ـ : وهو حجر أسود ، يضرب به المثل في شدة السواد .
(3) إنتصل منها الخضاب : أي بدأ اللون الأسود يذهب من أصول الشعر .
(4) دارة قمر طالع : أي مستدير وجميل ، كالقمر ليلة البدر ، حيث يكون متكامل القرص وشديد الإنارة .
يميناً وشمالاً ، فالتفتت زينب ، فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومأت إليه بخرقة ، وجعلت تقول :يـا هـلالاً لمـا استتـم كمالاًغالـه خسفه فأبـدى غروباما توهمت يـا شقيق فـؤاديكـان هذا مقـدراً مكتوبـاًيا أخي ! فاطم الصغيرة كلمهافقـد كـاد قلبهـا أن يذوبا
إلى آخر الأبيات (1).
وجاء في التاريخ : أن قافلة آل الرسول لما اقتربت من الكوفة ، إجتمع أهلها للنظر إليهن ، فأشرفت إمرأة من الكوفيات ـ من سطح دارها ـ وقالت : من أي الأسارى أنتن ؟
قلن : نحن أسارى آل محمد !
فنزلت من سطحها وجمعت ملاءاً وأزراً ومقانع ، فاعطتهن فتغطين . (2)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire